حقوق
الجار
فإن الجار
أقرب الناس تجده لجاره، وأسرعهم إجابةً لندائه، وهو الذي يطالع الإنسان صفحة وجهه
في كل يوم، ويلاقيه أكثر من أهله وذَوِيه، وهذا الجار له من الحقوق الكثيرة والتي
عرَّفها لنا الإسلام، وجهِلها كثير من الناس، حتى وصل الأمر من بعض الجيران أنهم
لا يسترون عورةً، ولا يُقِيلون عثرةً، ولا يغفرون ذنبًا.
وقبل
الكلام عن حق الجار لا بد أن نعرف حد الجيرة.
قيل:
"من صلى معك الصبح في المسجد، فهو جار لك".
ونقل
الحافظ - رحمه الله - في
"الفتح"
(10/ 447): عن علي أنه قال: "من سمع النداء،
فهو جار".
وكان الأوزاعي
يقول: إن حدَّ الجار أربعون دارًا من كل ناحية، ونقل هذا الكلام عن عائشة - رضي
الله عنها - أيضًا، وكذا الحسن.
وقد توسع
البعض في حد الجوار، فجعل كل مَن ساكَن رجلاً في محلة أو في مدينة، فهو جار،
واستدلوا بقوله - تعالى
-: ﴿ لَئِنْ لَمْ
يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ
فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا
قَلِيلًا ﴾ [الأحزاب: 60]، فجعل الله - تعالى -
اجتماعَهم في المدينةِ جوارًا، ولقد جاء في القرآن الكريم الوصيةُ بالجار؛ فقال -
تعالى -: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ
شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ
بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا
يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36].
•
﴿ وَالْجَارِ ذِي
الْقُرْبَى ﴾؛ أي: الجار القريب، الذي له حقَّان: حقُّ الجوارِ، وحقُّ القرابة.
•
﴿ وَالْجَارِ
الْجُنُبِ ﴾؛ أي: الذي ليس له قرابة، فيكون له حقّ واحد، وهو حق الجوار.
• ﴿ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ﴾؛ قيل: الرفيق
في السفر، وقيل: الزوجةُ، وقيل: الصاحب مطلقًا، ولعله الأَوْلَى.
بل كان
جبريل - عليه السلام
- يوصي الحبيب المختار - صلى الله عليه
وسلم - بالجار؛ فقد أخرج الإمام أحمد عن رجل من الأنصار، قال: "خرجت مع أهلي
أريد النبي - صلى الله عليه وسلم
- وإذا به قائم، وإذا رجل مقبل عليه،
فظننت أن له حاجةً، فوالله لقد قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جعلت
أَرْثِي له من طول القيام، ثم انصرف، فقمت إليه، فقلت: يا رسول الله، لقد قام بك
هذا الرجل حتى جعلت أَرْثِي لك من طول القيام، قال: ((أتدري من هذا؟))، قال: لا،
قال: ((جبريل، ما زال يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورِّثه[1]،
أما إنك لو سلمت عليه، لرد عليك السلام))؛ صحيح الترغيب والترهيب (2572).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق