الساعة الان


الجمعة، 14 سبتمبر 2018

جهود مصر فى علاج مشكلات البيئة الصحراوية


جهود مصر فى علاج مشكلات البيئة الصحراوية


بالرغم من أن مصر خاضت تجارب عديدة في إنشاء مدن ومجتمعات عمرانية جديدة في المناطق الصحراوية بهدف تحقيق أبعاد إستراتيجية تنموية عمرانية وبيئية وسياسية واقتصادية واجتماعية، إلا أن هناك قصورا شديدا في تحقيق المعدلات المستهدفة لتلك المجتمعات الجديدة سواء في معدلات النمو السكاني أو النمو الاقتصادي أو النمو العمراني. وعلى ذلك وجب مراجعة تلك التجارب سواء من الجانب النظري أو التنفيذي بهدف تجاوز مشكلة السكان، والعمل على التوازن في الهيكل المكاني واستغلال الموارد المتاحة مع دعم ركائز عملية التنمية في مجال الزراعة والصناعة والإسكان، فضلا على ضرورة أن يتوافق أسلوب التنمية مع منظومة البيئة الصحراوية ذات التوازنات الدقيقة.
وتأتي أهمية البحث في ظل الحاجة الملحة إلى فتح محاور جديدة للتنمية في الصحراء تسهم في تفريغ المدن القائمة من السكان وجذبهم إليها من الوادي الضيق الذي لا تتعدى مساحته 4% من المساحة الإجمالية للبلاد ويقطنه حوالي 97% من السكان، فضلا عن تناقص هذه المساحة سنويا بسبب التعديات العمرانية المختلفة عليها.
يهدف البحث إلى تحليل وتقييم التجربة المصرية في إنشاء مدن ومجتمعات عمرانية جديدة في المناطق الصحراوية، ويتم ذلك من خلال: رصد نمو هذه التجربة، وتحليلها، للوقوف على أهم إيجابياتها وسلبياتها، وأهم المشكلات التي تعوق نموها في محاولة لفهم واستخلاص أهم نتائج هذه التجربة والخبرات المستفادة منها، ومدى انعكاساتها على برامج وعمليات التنمية الشاملة بالدولة، حيث أن هذه النتائج والخبرات تمثل مدخلا أساسيا لرسم التوجهات الإستراتيجية المستقبلية عند التفكير في إنشاء مجتمعات عمرانية جديدة على الأراضي الصحراوية في مصر.

مرت التجارب المصرية السابقة لتنمية المناطق الصحراوية عبر مسارها بمشاكل عديدة لم يتم تناولها بشيء من الدراسة والنقد والتقويم، والذي يحدد بوضوح مواضع الخلل والإخفاق، والتي في مجملها تنبع أساسا الثوابت السائدة في فكر تنمية الصحراء مع غياب الفهم الشمولي لطبيعة البيئة الصحراوية وطبيعة العلاقات المتشابكة مع المنظومات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، حيث تحتم طبيعة مشاكل الاستيطان الصحراوي ذي الأوجه المتعددة وجود إستراتيجيات جديدة لنمط التعمير الصحراوي، والتي قد تفرز في النهاية سياسات وتصورات واقتراحات قد تبدو مغايرة لكثير من الثوابت الموروثة في فكر تنمية الصحراء .
ويأتي إنشاء المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة في الصحراء من أهم التجارب المصرية التي تهدف إلى تنمية المناطق الصحراوية وتعميرها والنهوض بها. ولتحليل هذه التجربة تجدر الإشارة أولا إلى دارسة التطور الزمني في فكر تنمية الصحراء، ثم الرصد الفعلي للتجربة من خلال تتبع حركة إنشاء المدن والمجتمعات الجديدة في الصحراء المصرية، ورصد أهم الملامح التخطيطية المميزة لها، وكذلك الوقوف علي أهم مراحل تنميتها.
التطور الزمني في فكر تنمية الصحراء المصرية:
إن منظومة البيئة الصحراوية ذات التوازنات الدقيقة تجعل من الاقتصاديات التخصصية أحادية البعد عنصرا غير متكيف مع العمران الصحراوي، فتجربة الزراعة الصحراوية مثلا في مصر مازالت تشير إلى هذا المعنى، حيث أن التوازنات البيئية الهشة تجعل تحويل الاتجاه من اقتصاديات مستهلكة إلى اقتصاديات لا تعتمد على البيئة بشكل مباشر كالصناعة والخدمات اتجاها متوازنا مع ندرة الموارد، هذا بالإضافة إلى ندرة الموارد المائية وعدم استمرارية المساحات القابلة للاستزراع تضع النشاط الزراعي بمفرده في مرتبة بعيدة عن الأولوية كأساس لاقتصاديات مستوطنات الصحراء، حيث أن احتياجات توليد النمو الذاتي للتنمية الصحراوية تتطلب توجها أساسيا للنمو بحجم صغير لوحدات التنمية المنتشرة بدلا من تمركز الاستثمارات في وحدات ضخمة .
وعلى ذلك تباين الفكر التنموي للصحراء المصرية عبر التتابع الزمني طبقا للعوامل والظروف المحيطة كما يلي:
شهدت مصر منذ الحضارة المصرية القديمة ـ بداية بمدينة منف عاصمة الدولة القديمة ـ محاولات عديدة للاستفادة من مقومات التنمية بالمناطق الصحراوية، كما شهدت الصحراء المصرية إنشاء المدن المخططة ـ العسكر والفسطاط ـ للفاتحين العرب في عصر الفتح الإسلامي في مراحله الأولى.
ترجع بعض الدراسات تاريخ نشأة المجتمعات الصحراوية إلى عام 1896م حيث تم حفر قناة السويس وتبعها إنشاء كل من مدن الإسماعيلية والسويس وبورسعيد كمدن مستقلة بذاتها، وبورتوفيق وبورفؤاد كمدن تابعة
مع بداية القرن العشرين ظهرت عدة محاولات غير حكومية ـ إلا أنها كانت تلقى الدعم من الدولة ـ لإنشاء المدن الجديدة أهمها: تجربة إنشاء ضاحية مصر الجديدة شمال شرق مدينة القاهرة وذلك عام 1905م، وضاحية المعادي على الضفة الشرقية للنيل في عام 1908م، والتجربة الثانية قام بها المستثمر اليوناني جناكليس في الثلاثينات حيث قام باستصلاح منطقة ضمن الصحراء الغربية غربا من مدينة الإسكندرية لزراعة العنب لقيام صناعة النبيذ في مصر، هذا بالإضافة إلى تجربة مديرية التحرير في الخمسينات0



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق