مراحل النمو النفسي عند الطفل
أولا. أطفال حديثو الولادة
تتشابه
حالة الرضيع في الشهرين الأولين بعد الولادة وحالته أيام كان في بطن أمه، إنه يقضي
أكثر من 80% من ساعات اليوم بين النوم والنعاس، أما النسبة الباقية فيقضيها في
الرضاعة وكذلك ردود الفعل السلبية، مثل الصياح والبكاء.
في نهاية
الشهر الثالث يبدأ الرضيع استعمال العين عند تناول الغذاء، فينظر إلى ثدي أمه. وفي
الشهر الخامس يثيره صوت وقع أقدام أمه.
يتأثر
الرضيع إيجابيا في الشهرين الأولين بالانفعالات التي ترضي رغباته واحتياجاته، أما
كل مالا يرضي رغباته فإن الطفل يجيب عليه برد فعل سلبي.
ومن الشهر الثالث حتى الخامس يتعلم
الطفل استخدام حواسه، إنه لم يعد يخاف من كل صوت يسمعه، وإنما أصبح يتجه إيجابيا
إلى منبع الإثارة. ويتأثر الطفل بانفعالات الكبار في الأشهر الستة الأولى من عمره.
والطفل في شهوره الأولى شخص عديم المسؤولية، بل يبدو دائما على أنه يعمل على إغاظة
أمه، فقد لا يحلو له التبول إلا أثناء نزهة أهله. ولكن يجب أن لا تلجأ الأم إلى
صفع الطفل أو أن تصرخ في وجهه كلما أتى مثل هذا العمل فإنها خارجة عن إرادته. ونلاحظ
الزيادة البارزة في الابتسام للوجوه والأصوات الإنسانية. ويعتبر العمر الذي يبلغ
فيه الطفل الذروة في الابتسام هو الشهر الرابع، فالابتسامة هي الطريقة الوحيدة
التي يشير فيها الطفل إلى أنه قد تعرف على حادثة مألوفة.
في فترة من
التطور بين الشهر السابع والتاسع يبدي الطفل استجابة مختلفة لوجود غرباء، حيث يظهر
قلقا حينما يوجد الغريب، وحتى لو كان الشخص الغريب مألوفا نسبيا بالنسبة له فهو
سيبدي استجابة قلق أو كرب مثل فترة من البكاء أو الصراخ. وإحدى الطرق التي نعرف
بها أن غياب الأم يسبب شعورا بعدم الارتياح عند الطفل هي حدوث مشكلات النوم في
الشهر الثامن. فحينما تهم الأم بالخروج من غرفة صغيرها حين نومه يبدأ الطفل
بالصراخ رغم أنه يبدو نصف نائم، فهو لا يريدها أن تذهب، فتعود للدخول، وتتكرر هذه
العملية. ونحن نسمي ما يقوم به الطفل من حركات عشوائية “ما قبل مرحلة اللعب”. ومن
أهم أنشطة الرضيع هو تحريك الأشياء، وليس استخدامها كلعبة. وبالتدرج يتعلم الطفل
التعامل مع الأشياء، فيعكس بذلك ما يدركه في العالم المحيط به.
ثانيا. النمو النفسي للطفل من عمر سنة إلى ثلاث سنوات
يستطيع
الطفل في هذه المرحلة المشي، وسيأخذ في الاهتمام واللعب بكل ما يقع تحت بصره وما
يستطيع الوصول إليه. وهنا تبدأ فترة إلقاء الأوامر والعقاب. وتهديد الطفل بالعقاب
يولد فيه الخوف، ويجعله يشعر بأنه سيؤذى إذا كسر إحدى هذه القواعد التي وضعتها له
أمه، والتي لا يفهم لها سببا. وهذا التهديد من جانب أمه يترجم داخل نفس الطفل على
أن أمه لا تحبه، لعل الشيء الذي يخطر ببالها دائما أنها تستطيع الوصول إلى النتيجة
التي تريدها بطرق أخرى بسيطة.
إن أكثر
الأطفال يستجيبون لكلمة “لا” إذا فهموا السبب. لكن ذلك لا يحدث دائما، فقد يثير
طفلك عاصفة هوجاء إذا حاولت أمه منعه عن عمل ما. ولكنها ستفاجأ في كثير من الأحيان
بامتناعه لو حاولت شرح الأمر له. وليس معنى هذا أن لا تقولي له “لا” بل يجب أن
تقوليها له بصراحة لتمنعيه من الاقتراب من الموقد أو من أنبوب الغاز أو اللعب في
طريق السيارات. سيتقبل هو ذلك من أمه بغير مناقشة، لأن الطفل يكون سعيدا إذا شعر
بالأمن إلى جانب شعوره بالحرية. وقد يقوم بمعارضة أمه بطريقته الخاصة “كالعناد” لكن
ذلك أيضا لا يعني سوء خلقه، إنه ببساطة دليل اكتشافه لما يدور حوله وتصرفه بحرية.
فإذا قدمت له الأم في هذه الفترة الحب والتشجيع، فإنه سيشب واثقا بنفسه،
واثقا بمن يتعامل معهم في مستقبل حياته. وهذه النتائج الباهرة لا تستطيع الأم
الوصول إليها إلا بالفهم ومزيد من الصبر والاحتمال.
يكون الطفل
في هذه المرحلة قادرا على فهم الطلبات البسيطة، وعلى استعمال اللغة للحصول على
أهدافه المرغوبة. والشيء الأكثر براعة هو أنه قادر على الاستجابة للموضوعات طبقا
لأسمائها الرمزية أكثر من استجابته لخصائصها الطبيعية كاللون واللمعان، ومعالجتها
عن طريق اليدين والفم.
إن تعلم
الكلام أساس النمو النفسي. ويكون التفكير والكلام هو أساس نمو كل فروع الشخصية.
ويبحث الطفل عن عيون الآخرين ويضحك لهم ويندفع نحوهم ويكون غير راض عندما لا يجد
تجاوبا منهم. وتظهر مشاعر الطفل على وجهه مباشرة، وكذلك من حركات جسمه. وعندما
يريد الطفل شيئا فإن هذا يعتبر إرادة، ويجب احترام رأي الطفل وإعطاؤه الفرصة
للتعبير عن نفسه مع التوجيه أولا بأول. أما إذا أراد الأب أو الأم إرغام الطفل
بالقوة على الطاعة، والمسلك الحسن، فإن هذا قد يجعل الطفل مستقبلا غير واثق بنفسه،
لا يتخذ رأيا قاطعا ولا يستطيع حسم الأمور. إن الطفل من نتاج نشاطه، وكل نجاح جديد
في اكتساب القدرة والخبرة يساعد على استقلال شخصية الطفل.
ثالثا. النمو النفسي للطفل من عمر ثلاث سنوات إلى ست سنوات
الطفل في
هذه المرحلة يتمتع بروح مرحه، فهو كثير الضحك من أشياء تافهة في نظر أمه كمنظر
والده وهو يضع الصابون على وجهه لكنها ظاهرة طيبة، فإنها تدل على أنه يستطيع أن
يميز الفروق “فلكي تعرف الشيء غير الطبيعي وتضحك منه يجب أن تعرف أيضا الشيء
الطبيعي والفرق بينهما” وهي بداية ملكة التمييز والاختبار عند الطفل. ولا تحاولي
أيتها الأم أن تجعلي طفلك هدفا للمزاح والنكات في هذه الفترة، فإنه يستطيع أن يفهم
ما تعنيه تماما. ولكن ذلك سيترك في نفسه شعورا بعدم الثقة. وطفلك في هذه الفترة
لديه القدرة على الابتكار والتخيل، وهي التي تدفعه إلى ابتكار قصص بعيدة عن
الواقع، مثل الأسود التي قابلها في الحديقة والحوادث الكثيرة. وإن هذا ليس كذبا،
ولن يشجعه على الكذب في المستقبل. فإذا كانت تربيته حسنة سيأتي الوقت الذي يدرك
فيه أنه يقص قصته.
إن
الابتكار والتخيل والقصص البعيدة عن الواقع هي وسيلة الأطفال ليعبروا عن دهشتهم من
هذا العالم الكبير، وما يدور فيه.
إن لعب
الأطفال بشكل جماعي في الحضانة مفيد للغاية، إنه ينمي النشاط والتصور والخيال
والأحاسيس. ويتعلم الطفل من التمثيل أشياء كثيرة، منها إعطاء الفرصة للآخرين. إن
اللعب هو التمرين المفيد للجسم والنفسية، فالطفل لديه فائض في الطاقة يفرغها في
اللعب، وترجع القدرة على التذكر إلى النشاط، وذاكرة الطفل أساسها الإحساس. وتؤثر
الأحاسيس تأثيرا قويا على الطفل ما قبل المدرسة، لذلك فإنه مهم جدا أن نبحث في شكل
الحركة، فالصغير عندما يخجل تراه يعض شفتيه أو يضع إصبعه في فمه، كما أنه يقفز في
الهواء عندما ينتابه الإحساس بالفرحة.
ويريد
الطفل اعترافا اجتماعيا بما يعمله. وعليه فمن واجب البالغين أن يمدحوا الطفل
ويعترفوا به، فالاعتراف بعمل الطفل هو بداية نمو الإحساس بقيمة النفس.
رابعا. النمو النفسي للطفل من عمر السادسة وحتى الثانية عشرة
إذا عانى
الأطفال الفشل أكثر من النجاح، فالأغلب أن ينمو لديهم شعور بالنقص بأنهم عاجزون عن
مواجهة تحديات عالمهم. يعمل المعلمون على رفع مستوى دافعية التلاميذ إلى التحصيل
والمنافسة السليمة ومشاعر الاقتدار عن طريق تشجيع جهودهم، ومكافآتهم، وإثارة
اهتمامهم بالتعلم، وخفض أثر فشلهم وحدود قدراتهم. ويساعد المعلم الحساس على اكتشاف
مواهب الأطفال وحشدها في الوقت الذي يحدد فيه ضروب ضعفهم. ومن ناحية أخرى المعلم
غير المهتم أو غير الحساس يستطيع زيادة حدة شعور الطفل بالعجز أو بالنقص. ويجب ألا
نخفي دور الآباء والأمهات في مساعدة الطفل على دخول جو المدرسة بكل ثقة واندفاع،
فمعظم الآباء يشاركون أطفالهم اعتزازهم بأنهم مستعدون للمدرسة، وسرورهم بتقدمهم
خلال سنوات المدرسة رغم حنينهم إلى مرحلة الحضانة. وهؤلاء الآباء الذين يجدون من
الصعب قبول فكرة أن طفلهم قد بلغ سن المدرسة والانفصال عنهم بعض الوقت يحاولون
تأجيل المدرسة فيقول “إنه صغير جدا وغير ناضج، وربما يجب الانتظار سنة أخرى” أو لا
يشجعون على الدوام المدرسي ” أنت تبدو شاحب الوجه اليوم قليلا، أظن أنه ينبغي
البقاء في البيت والراحة” ومثل هذه الأفعال تسهم في الخوف المرضي من المدرسة، يجب على
الآباء أن يقرروا كم من الحرية يجب أن يمتلك أطفال المدرسة الابتدائية. فالطفل
بحاجة إلى الاستقلال الكافي لتشجيع فرديتهم ومبادرتهم، والإشراف الكافي لحمايتهم
من التأثيرات النفسية غير المرغوبة.
إن أطفال
المدرسة الابتدائية يتساءلون حول الجنس فيما بينهم، ولا يعودون يسألون أهلهم أسئلة
صريحة مربكة. فإنه غالبا لا يلاحظ الراشدون الزيادة المفاجئة في اهتمامهم بالأمور
الجنسية، ويشكل لديهم بعض المشكلات النفسية.
إن الولد في هذه المرحلة يقل تعلقه
بأمه، وتتركز اهتماماته بزملائه. ويقل تعلق البنت بالأب وتتجه اهتماماتها إلى النشاط
الخارجي، مثل الرقص والرسم والرياضة. إن ولادة طفل جديد تمثل تحديا بالغا للطفل
الأكبر، حيث يحل القادم الجديد محله في اهتمام الأهل. وأحيانا يعتدي الأطفال غير
الآمنين لدرجة قاتلة على أخوتهم الصغار، لعجزهم عن حل انفعالاتهم. وهذه الانفعالات
العنيفة يطلق عليها اسم مركب الغيرة بمعنى أنها لا شعورية، ومازالت باقية دون حل.
إن الطفل
القوي السليم الذي تستطيع أمه أن تتعامل مع مشكلاته بوعي يصبح قادرا على حل
انفعالات الغيرة. ومن ثم يتحسن سلوكه. ويستلزم الأمر أن يعطى الطفل الأكبر فرصة
يشعر فيها أنه يمتلك الصغير مع أبويه، ويساهم في كل عمليات العناية بالوليد في
حدود إمكانياته. عندئذ تسنح الفرصة ليحب الطفل الصغير، ويقدم له المساعدة. وهذا
الاتجاه بالمشاركة يكفل للطفل الأكبر الإحساس بأنه محبوب كما كان من قبل. الطفل في
هذه المرحلة صورة لأبيه، هكذا يرى نفسه ويستطيع أن يتحمل مسؤوليات أكثر داخل نطاق
عائلته، فهو يحب مثلا أن يستشار في الأمور التي تخصه. وهو يقبل على ما يطلب منه
عمله بهمة. لأنه يرى نفسه صورة مصغرة لأبيه. ويملؤه الفخر إذا قالت له أمه إنه
بمساعدته لها وفر عليها الوقت والمجهود.
يستطيع
الأهل أن يجعلوا من طفلهم أكثر الأشخاص عنادا أو عدم إطاعة للأوامر لو أصر الأهل
على إهانته أمام الغرباء دائما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق